hammad.sabon@gmail.com
بقلم / حماد صابون / القاهرة
تاريخ المحادثات حول السلام فى السودان بين الحركات التحررية المسلحة والحكومات التى تعاقبت على حكم السودان تجد الارشيف حافل بعدد كبير من اتفاقيات السلام التى ربما فاقت اكثر من 40 اتفاقية وقعت بحضور دولى واقليمى والا انها لم تصنع سلاما فعليا عادلا افضت الى الاستقرار السياسى والاقتصادى ساهمت فى عملية التعايش السلمى بين مكونات الشعب السودانى بكل تنوعه ، ولكن كل ذلك لم يحدث لماذا ؟ لان كل الاتفاقيات التى تمت طيلة الفترات التى تعاقبت فيها كل الحكومات مدنية او سوء ان كانت عسكرية ركزت فى سياساتها الاستراتيجية لادارة الازمة بعقلية ( حسم التمرد ) منذ ميلاد اعلان التمرد الاول عام (1955) ،كانت اول حكومة سودانية بعد الاستقلال برئاسة ( اسماعيل الازهرى ) وصف التمرد فى الجنوب ( بالفعل الاجرامى ) لابد من حسمه عسكريا حفاظا على السيادة الوطنية وهيبة الدولة وغيرها من ثقافة المبررات الغير الموضوعية فى ادارة الازمات كرجل دولة وهنا غاب عنصر العقلنية والحكمة التى يجب ان تبحث اسباب التمرد وتقديم الحلول وقطع الطريق امام تطور الازمة واطالة الحرب وكما هو الحال ( حدث ما حدث ) ، لذلك نظرية الحسم العسكرى اصبحت ذهنية والقاسم المشترك الاكبر لدى كل النخب النيلية الذين تعاقبوا حكم السودان واختزلوا كل القضية فى ( الاسلمة والتعريب ) كهدف استراتيجى واجندة وطنية اتبنت عليها كل التصورات السياسية لانجاز هذه المهمة الوطنية فى اعتقادهم ، ومن اجل تحقيق هذا الهدف استخدموا جميع وسائل فرضيات القهرالثقافى لابادة بقية الهويات الثقافية المختلفة الذى ادى الى تطور الصراع ووصل حد الابادة الجماعية للمجموعات العرقية التى لا تنتمى لمركزيتهم العرقية وللاسف نظرية حسم التمرد لم ينتصر بعد بالرغم من انهم استخدموا جميع الاسلحة المحرومة دوليا لأعدام افكر التمرد الذى ارتبط بقضايا سياسية وثقافية ذات صلة بالهوية وغيرها من المطالب والقضايا المصيرية المتصلة بكرامة الانسان الذى لا يمكن ال مساومة به ، ولذلك فى غياب الرغبة الفعلية لصناعة السلام اصبحت عملية الاستجابة والذهاب الى منابر التفاوض بتم اما عن طريق الضغوطات الدولية او ظروف سياسية واقتصادية داخلية تجبر الحكومات تذهب الى منابر التفاوض بغرض (تاجيل الحرب مؤقتا ) من خلال توقيع اتفاقيات غير قابلة للتنفيذ او القدرة على وضع العراقيل امام تنفيذ الاتفاقيات وهذا يؤكد ان ليس هنالك رغبة فعلية لسلام لان لم تتبلور قناعاتهم حول اهمية السلام ودوره فى نهضة وتطور الامم وخاصة الحكومات الحزبية التى سمت نفسها بالحكومات الديمقراطية انها فى الاصل احزاب بيوتية وطائفية ما عندها صلة بالمدارس الديقراطية والحرية وغيرها من ادبيات حقوق الانسان ولذلك من الطبيعى تفتقد الديمقراطية حتى داخل منظوماتها الحزبية الطائفية التى لا تحمل اى فكر سياسى قائم على مفهوم علم السياسة لادارة دولة كالسودان ذات تنوع هائل فى كل شى . ولذلك باتت كل الاتفاقيات بالفشل بسبب غياب الارادة الفعلية للسلام الفعلى ولان القادة غير مدركين لاهمية السلام لجميع لان يعتقدونا ان الحرب ما دام يدور بعيدا من قصورهم وغير معطلة للمؤسساتهم الاقتصادية المحروسة بالسلطة ليس بالضرورة يبقى السلام فى جدول اعمال اولوياتهم . والجهل بكل هذا المعطيات وعدم ادراك خطورة مثل هذا التفكير السلبى قد ساعد فى استمرار الحرب الذى وصل بنا الى مرحلة انهيار اقتصاد الدولة وانعدام معنى لمفهوم الدولة المسؤلة التى تقوم بواجباتها وبل اصبحنا فى مصاف الدول الفاشلة فى ادارة ازماتها والتخلص من امراضها العنصرية التى تعبر عن تخلف الدولة بسبب الحرب الطويلة واعتماد سياسات الحزب الواحد الذى حول المؤسسات القومية الخاصة بالدولة الى مؤسسات حزب تخدم اجنداتها الايدلوجية وانتهت من المؤسسة العسكرية واسست لنفسها مليشيات لمواجهة تدافع سلطتها وهذا دفع فى تسعينات القرن الماضى عدد من الاحزاب الطائفية السودانية تاسس لجيوش لمواجهة حزب المليشيات الايدلوجية وعمت الفوضى فى كل ارجاء الوطن ، كل هذه العوامل تجمعت وشكلت ووفرت شروط اندلع الثورة التى افنجرت فى 19 ديسمبر 2018 ووضعت خيار السلام مطلب استراتيجى لثورة عبرها تتحقق بقية اهداف الثورة .
• محادثات السلام ما بعد الثورة :
تعددت مسارات التفاوض فى منبر جوبا مع حكومة الفترة الانتقالية والا ان مازالت المحادثات فى المسارات الاربعة تقف عند المربع الاول ما عدا الاتفاق الاطارئ الذى تم بين الحركة الشعبية جناح ( عقار وعرمان ) ، ومن جهة اخرى نجد ان الموقف التفاوضى للحركة الشعبية لتحرير السودان ( الحلو ) احدث جدلا واسعا فى وسائل الاعلام المختلفة بسبب طرحه موضوع العلمانية وحق تقرير المصير كمطلبان يعبران عن شروط ضحايا الحرب الذين عانوا من فتاوى الحروب الجهادية ال كانت مصدرها الدولة الدينية التى مازالت تحلم باستمرار مسيرتها الجهادية كنهج تطرفى ساهم بدرجة كبيرة فى تخلف السودان بحروبها الطويلة وهذا الموقف التفاوضى الغير قابل للمساومة تسبب فى تعثر المحادثات اكثر من مرة وحتى الان لم يتمكن الطرف الحكومى والحركة الشعبية توصلا لاى اتفاق اطارى يمهد الدخول لتفاوض حول المحاور الاسياسية فى القضايا المصيرية والسبب فى كل ذلك اعتقد ان التفسير الخاطئ لمفهوم وتعريف العلمانية من جانب (علماء السلطان ) الذين فسروا وعرفوا ان العلمانية (ضد الدين الاسلامى ) بما ان هنالك عدد غير قليل من الدول الاسلامية صارت ( علمانية ) على سبيل المثال ( تركيا ) هى دولة رائدة فى محافل مؤتمر العالم الاسلامى وظلت فى السنوات الاخيرة ان عددا من الفضائيات الاعلامية على مستوى العالم تستضيفة كرئيس دولة تركيا للوقوف على تجربتة كدولة علمانية هل النظام العلمانى ساهم فى تخلف الدولة التركية ام ساهمت فى ازدهار اقتصادها واستقرارها السياسى ؟ والاجابات كانت واضحه عبر كل الفضائيات العالمية و قدم تعريف كامل وشامل لمعنى ومفهوم العلمانية كجانب تعريفى و كرسالة مواجهة لكل العالم الاسلامى الذى ضل الطريق فى تعريف العلمانية واكد اردغان ان العلمانية هى ليست ضد اى دين سماوى لا من بعيد ولا من قريب وما ذلك مازالت منابر علماء السلطان فى السودان تسير فى الاتجاه المعاكس لتعريف الصحيح للعلمانية عمدا .
اعتقد مسالة السلام فى السودان محتاجة لعنصر بناء الثقة والارادة الفعلية للانتقال للامام لصناعة السلام وان زيارة رئيس الوزارء السودانى ( حمدوك ) لكاودا ذلك الحدث الذى شغل الراى العام المحلى والعالمى فى اتجاهات ايجابية عن حسن النوايا وغيرها من مقدمات وبشريات السلام الذى يعتبر عنصر مهم فى بناء الثقة كمدخل لنجاح محادثات السلام وانهاء ذهنية الحرب فى السودان ولكن السؤال الذى يدور فى اذهان الكثيرون من المراقبين لمستقبل المحادثات ما بعد الثورة وفى اطار الاسئلة حول ضمانات تنفيذ ما يتم التوصل اليه من تسوية سياسية فى قضاياها المصيرية التى رفع السلاح من اجلها وقد يتسال البعض ان ما من يتعامل الحركات المسلحة فى مرحلة الترتيبات الامنية فى ظل تعدد المليشيات بماركات مختلفة ولها مؤسسات اقتصادية مصدرها احتلالات الجبال والويان التى كانت مصدرا لنهب هذه الثروات القومية التى تحولت الى ثروات شخصية ولها مصاريف قائمة بذاتها ومنفصلة من خزينة الدولة ومحصنة بسلطة الدولة نفسها بمبررات (فق الضرورة) بعدم المساءلة من هم من العسكريين الذين حصنهم الله ( بالسيادة) حفاظا على الامن القومى وغيرها من مبررات زيرو فساد . ؟ وبالرغم من هذه الزيارة الذى قام به حمدوك والتفاهمات التى جرت بينه كحكومة وقيادة الحركة الشعبية والا ان للمرة الثالثة تعثرت المفاوضات بسبب طرح ( العلمانية وحق تقرير المصير ضمن شروط ضحايا الحرب الذين رفضوا المساومة بموقفهم التفاوضية التى لا تقبل بالعودة الطوعية ولا الجبرية لدولة الدينية التى فعلت ما فعلت بعنصريتها فى السودان ،
اعتقد قادة الحركات التحررية المسلحة لا يقبلونا باى شروط اتفاق سلام لا يفضى الى سلام دائم عادل بكامل مستحقاته وفيها ضمانات عدم العودة للحرب مرة اخرى . ولذلك اى تغير مخالف لشروط السلام العادل المتوافق مع شروط الضحايا سيودى الى كارثة حقيقية تضر بمصالح الجميع فى السودان وهذا لا يمكن ان يتم الا بقبول شروط ضحايا الحرب الذين تضرروا من التسويات السياسية فى الاتفاقيات السابقة التى ظلت بكامل ذاكرتها تراقب ملف السلام وفق شروطها ، ولذلك اى تنصل وعدم الالتزام بما يتم التوصل اليه من تسيوية سياسية ستبقى ميدان هذا الحرب فى هذه المرة داخل مركز السلطة وليس فى الهامش ، ولذلك للمصلحة العامة يجب عملية السلام الجارى تتضمن شروط المتضرين من الحروب الجهادية التى جرت فى السودان .
0 comments:
إرسال تعليق