حـــــمدوك فى كــــــاودا ومســــــيرات لــم تلتقــــــى !.


آدم أجــــــــــــــرى.
إبان ثورة 2019 ، كانت مسيرات الأحياء والمدن تنشأ متفرقة ثم تزحف لتندمج فى ميادين تشكل فيها قوة لا تقهر ، ذلك العمل الشعبى المشترك إجتمع وتنامى وشكل نهراً إنبثق منه حكومة حمدوك ، وثمة أنهر كبرى بقيت فى مساراتها المستقلة وجدر هائلة حالت دون إلتقاءها بروافد أخرى فبددت فرصة تشكيل نهر أعظم أقوى تياراً وأشد منعة ، وصبيحة التاسع من يناير 2020م يوم أقلت الطائرة الأممية رئيس وزراء الفترة الإنتقالية وحطت به على مدرج مطار كاودا غير الممهد ، فإن إختراقاً تحقق لمصلحة المسيرات وصفحة جديدة فتحت بيد أصحاب الضمائر الحية والنوايا البيضاء.
أتت الزيارة بقوتها ومؤشراتها وسندها الدولى المتمثل فى حضور سفراء وممثلى الترويكا أمريكا النرويج بريطانيا والإتحاد الأوربى ، سفير كندا وممثل حكومة جنوب السودان ، وجماهير الأراضى المحررة أبدعت فى إستقبالها وهى البطلة التى بقيت مقفولة طوال ثمانية سنوات متصلة مارست خلالها حياة قلقة اليقظة عنوانها والكرامة تاجها ، آثرت صبراً مرتبطاً بمهالك على التوسل والخضوع ، أعلت وتشبثت بقيم فارقت وطناً لم يعد للتسامح وللتعاضد وجود ، لم تفقد الأمل يوماً رغم عملها على شفا جرف إلى الإنهيار أقرب كى تبقى كاودا ملجأ للأحرار مرحبة بكل صاحب قضية حاضنة لأى مظلوم ، جراء ذلك دفعت ثمناً غالياً إرتبط بهدف مقدس لأمير مؤمنين مزيف يرجو فيها صلاة ، ولم يوقف غزواته وأبقى على نار الحرب متقدة وأحلام الحرق يغازل آمال العبور فوق جبال الجثث وجماجم الأطفال كى يؤم رؤوساً تؤدى للشيطان شعائره.
إنه شعب منزوعة حصانته مكشوف ظهره إستحوذت هواجس الأمن والسلامة لديه حيزه المعتبر لديه تشاهد مقولة النوم بعين مفتوحة حية مجسدة ، من داخل حصنه بأطرافه المترامية نشط ولم تسكن حركته طوال أسبوع تتوج بلقاء مباشر مع المسئول الأول لحكومة الثورة السلمية والذى نظن أنه قد تفاجأ بحضور ثقل يمثل شعباً منظماً بمؤسسات مكتملة تشريعية وعدلية ذات سطوة ، تنفيذية وإقتصادية ، إجتماعية تعليمية صحية ، منظمات مجتمع مدنى ودور عبادة فضلاً عن شرطة وجيش بتشكيلاتهما ، جميعها نشطت وساهمت فى تشكيل تظاهرة لم تشهدها تلك المناطق طوال سنوات الحرب.
علت المآذن نداءات تناغمت مع ألحان أجراس الكنائس ترحيباً بضيف مبجل ، ومهمة الدين هنا التقديم للمجتمع لا السرقة منه ولا الإقتيات عليه وعلى تعدده يخص أصحابه ، الناس ليسوا عرقاً واحداً كما يتبادر إلى الذهن والثقافات متعددة واللغات كثيرة لكنه شعب يؤمن بحتمية وحدة وإشتراك مصير لا تنفع معه الدوغمائية ، والثيوقراطية تشكل له مهدداً.
عبر عن ثقة فى حمدوك ، ترحيباً به وإرتياحاً لزيارته ، والوقت على ضيقه لا يكفى للغوص عميقاً ، فأتت مناسبة للإستعراض والتعبير عن حسن النوايا.
لا طلبات رفعت إلا المرتبطة بملف السلام ، لا أثر لتلك التبرعات المقرونة بوعود تقليدية ولا إنتظرها أحد ، فالرسالة واحدة إلى باقى روافد الثورة السودانية كتبت بخط عريض قرأه العالم ، نعم للدولة العلمانية.
طبقتها كاودا ومناطقها فلا سطوة لدين بعينه فتحقق مبدأ وقوف الدولة على مسافة متساوية من الجميع ، الأحد والجمعة أيام عمل وعبادة لمن شاء ولا عطلات تشل حركتها وتفرض على الجميع أعباءاً لا يطيقه ، والأفضل لنا التواضع قليلا للتعلم من هذه المدرسة العظيمة ، ففى وقت تتخبط فيه السودان فى متاهتها تقدم تلك المدينة تجربتها على طبق من ذهب ، تضع بين يديها بوصلة مجربة ، فلولا علمانيتها ما تحالفت وتناغمت توليفة أعراق وديانات ومعتقدات فى نسق عمل دفاعى مهلك لأجل الزود عن حياض أرض مساحتها بحجم بعض الدول.
الثورة السلمية الباسلة نادت بالسودان الجديد منهجاً ولأجله قدمت الغالى والنفيس ، فبددها سارقوها وأهملوه فأخرجه حمدوك إلى السطح مجدداً وحيث لا سودان جديد يدير للعلمانية ظهراً ويقحم ديناً فى شئون دولة كما تفعل الرجعية خشية ضياع إمتياز وتبدد إستثمار قائم على تغييبها فقد أضحت الثورة أمام تحد حقيقى.
إنها منهج عمل يتبناه حتى الأذكياء من رعاة الإرهاب ، مرادفة للقوة وتماسك الشعب وجبهته الداخلية ، فعالة فى دفع المهددات وتقليص فرص الإختراق ، والمثال أمامنا فلولا الحزم فى تطبيقها ما بقيت كاودا صامدة فى وجه عدوان يستهدف إبادة حرث ونسل وطير ، ولا علا شانها أو بقى لها اليوم أثر ، فمن حسن الحظ أن كنزاً خبيئاً فى الغاب بات لدينا ، بوصلة وشعلة هداية بين أيدينا وسنهتدى إليها وبها حتماً تفادياً لقدوم يوم نجدد فيه ذرف الدموع على الأطلال.
آدم أجــــــــــــــرى.
10 يناير 2020م

Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق