الصراع الايديولوجي واثره على المفاوضات التي تجري حاليا في جوبا

  بقلم الإستاذ/ صديق منصور الناير
                               
للوقوف على طبيعة الصراع في السودان والتحديات الماثلة في الحوار  وعمليات التفاوض التي تجري حاليا  في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان الوليدة بين الحكومة والحركات المسلحة اخي القارئ واختي القارئة رأينا ضرورة بل اهمية توضيح مفاهيم بعض المصطلحات والمذاهب الأيديولوجية التي ساهمت كثيرا في تغيير أوجه الحياة خاصة في المجتمعات التي تقدمت علينا في مجالات الإدارة  وشئون الحكم والتجارب المريرة التي مرت بها خاصة في أوربا وآسيا  .....
وأهم هذه الايديولوجيات والمصطلحات التي ارتبطت بالإدارة ونظم الحكم في العالم هي  الشيوعية والاشتراكية.. العلمانية والرأسمالية ... البرجوازية والليبرالية  بأنواعها بالإضافة للفاشية والإمبريالية  هذه مذاهب وايدولوجيات لا بد من التعرف عليها وعلى مفاهيمها وسبلها حتى لا نحكم جزافا انجرارا  وراء ما وضعه قيادات الإسلام السياسي بغرض التشويه وتحقيقا لمصالحهم الاستراتيجية ليحددوا بذلك من يحكم في العالم العربي والإسلامي الذي أصبح السودان يحتل الذيلية بسبب الذين تم استعرابهم ... هؤلاء ادخلونا في نفق مظلم وصراع أصبح الدين بسببهم طرفا يصعب معه تغيير مفاهيم المتطرفين عن جهل في هذا الصراع المعقد ولا خيار في رأينا للخروج من هذا النفق إلا  بالوعي لمفاهيم ومقاصد تلك المذاهب والأيولوجياتها  السياسية والفكرية لذلك سنبدأ بالشرح المبسط لما ذكرناها في مقدمة هذا المقال للتوضيح من أجل الوعي بها وفيما يلي أهم هذه المذاهب :-- 
1-  الشيوعية communism   مشتق من كلمة لا تينية   communis وهو مصطلح لمجموعة من الأفكار في التنظيم السياسي المجتمعي مبنية على الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج في الإقتصاد وتؤدي حسب منظريها إلى إنهاء الطبقية الإجتماعية ولتغيير يؤدي إلى إنهاء الحاجة إلى المال ومنظومة الدولة وجاء في الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة بانها مذهب فكري يقوم على الإلحاد .. ينكرون وجود الخالق  وتقول بأن المادة هي أساس كل شيئ  ويفسروا تاريخ البشرية بالصراع بين البرجوازية والبروليتاريا ( صراع بين الأغنياء والفقراء)  .. يحاربون الاديان ويعتبرونها وسيلة لتخدير الشعوب تخدم الرأسمالية والأمبريالية والإستغلال وتعرف أيضاً بأنها مذهب فكري يسعى لتقديم المادة على كل شيئ في الحياة، ظهرت مع الثورة البلشيفية في 1917ووضع أسسها المفكر  كارل ماركس مع صديقة أنجلز بالإضافة للينين وستالين هذا المذهب يرفض التقيد بالقواعد الدينية والإجتماعية التي تنظم المجتمع  .. وهم الأكثر تطرفاً عن الآخريات في مذاهب المتطابقة معها في الفكر والرأي ..يقابله في التطرف تنظيم القاعدة والدواعش في الإسلام السياسيى ... وإنهيار المعسكر الشرقي أمام المعسكر الغربي  دليل على فشل مشروعها ولكن يبقى الفكر موجوداً وفاعلاً في الحياة السياسية العالمية خاصة في الصين التي تخلت عن التطرف وإتجهت لمصالحها مع الغرب  الرأسمالى العلماني.
2- الإشتراكية  نظام سياسي إجتماعي ينادي بالشراكة بين الأفراد في المجتمع الواحد في كافة المجالات ... وتعرف أيضاً بأنها تقوم على توزيع الملكية العامة بين الافراد الذين يعيشون ضمن الدولة الواحدة من خلال العمل على إلغاء الملكية المطلقة لوسائل الإنتاج .. وقد ظهرت للمحافظة على حقوق الطبقات العمالية في المجتمعات وتعمل للتخلص من سيطرة أصحاب رؤوس الاموال وإستبدالها بمجموعة من القواعد التي تضمن المحافظة على حقوق الفقراء  من العمال .. كما تعمل لوقف العمل بالقواعد والمبادئ الإجتماعية وإستبدالها بكل شيئ لتحقيق المساواة بين الأفراد في المجتمع . ومن أهم أسسها عدم الإعتراف بحافز الربح بمعنى أن الهدف هو إشباع الحاجات العامة وليس الربح بالإضافة للملكية العامة لوسائل الإنتاج بحيث يتم إشراك جميع أفراد الشعب في ملكية وسائل الإنتاج. 
3-  العلمانية أو اللادينية أو الدنيوية  وتعني فصل الدين عن الحياة وفي ذلك يقولون العلمانيون دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله . ولا دين في السياسية ولا سياسية في الدين وتختلف مبادئ العلمانية بإختلاف أنواعها فقد يعني عدم قيام الدولة بإجبار أحد على إعتناق وتبني معتقد أو دين أو تقليد معين لأسباب ذاتية غير موضوعية .. نشأت العلمانية كنتاج بين الصراع الديني والدنيوي نتيجة لطغيان الكنيسة وبابواتها وسيطرتها على حياة رعاياها ودخولها في الصراع مع العلماء في عصر الإقطاع .. وقد كتب الفيلسوف الإنجليزي جون لوك في ذلك ( من أجل الوصول إلى دين صحيح ينبغي على الدولة أن تتسامح مع جميع أشكال الإعتفاد الديني والفكري والإجتماعي ويجب أن تنشغل بالإدراة العلمية فقط لا أن تنهك نفسها في خرق هذا الإعتقاد ومنع ذالك التصرف بحيث يجب أن تكون الدولة منفصلة عن الكنسه وأن لا تتدخل أي منهما في شئون الآخر.. تعريف آخر جاء في تصريحات الرئيس الثالث لأمريكا توماس جفرسون الذي قال بأن الإكراء في مسائل الدين والسلوك الإجتماعي خطيئة وإستبداد وقال بأن الحقيقة ستسود إذا ما سمح للناس بالإحتفاظ بآراءهم وحرية تصرفاتهم جاء ذلك بعد إستخدامة لحق النقض عام 1786 ضد إعتماد ولاية فرجينيا للكنيسة الإنجلكانية كدين رسمي وقد أصبح الامر مكفولاً بقوة الدستور في عام 1789م حين فصل الدين عن الدولة رسمياً فيما دعا إعلان الحقوق .
 يفسر عدد من النقاد والمفكرين ذلك بأن الأمم الحديثة لا تبني هويتها على خيارات الطائفية أو تفضيل الشريحة الغالبة من رعاياها سواء في التشريع أو المناصب القيادية .. لأن هذا يؤدي إلى تضعضع بنيانها القومي من ناحية وتحولها إلى دولة تتخلف عن ركب التقدم نتيجة لقولبة الفكر بقالب الدين أو الإخلاق أو التقاليد.. فالعلمانية تهتم بالحياة وتسعى لتطوير البشرية ورفاهيتها في هذه الحياة ويمكن القول بأن العلمانية ليست آيديولوجية أو عقيدة بقدر ما هي طريقة للحكم ترفض وضع الدين أو سواه كمرجع رئيسي للحياة السياسية والقانونية إذن فهي تهتم بالأمور الحياتية للبشر بدلا من الآخروية والمادية الملموسة بدلا من الروحية والغيبية .
4- الرأسمالية :-
     تعتيبر الرأسمالية من أحد الأنظمة الإقتصادية وترتكز في مبادئها على الفلسفة السياسية والإجتماعية التي تقوم على تنمية الملكية الفردية والمحافظة عليها أنطلاقاً من مبدأ الحرية وأهمية إستقلال قدرات الفرد في تنمية ثروته والمحافظة عليها ويكون دور الحكومة في هذا النظام رقابي فقط وتقوم الرأسمالية على فكرة حرية الأسعار وفقاً لمتطلبات العرض والطلب والإعتماد على قانون السعر المنخفض بهدف ترويج البضائع ووفرتها مما يساعد على المنافسة وزيادة الحركة التجارية في الأسواق.ومن أشهر دعاة الرأسمالية ركاردو روبرت وفرانسوا ليزنيجون ومالتوس جون.
بهذه الخلفية المختصر يمكن للقارئ الكريم أن يشارك من منطلق الوعي والفهم حتى لايخطئ التقدير في قراءة تحديات المرحلة القادمة، وذلك بعمل دراسة مقارنة للتيارات السياسية والفكرية التي تتسابق الآن في الحصول على قصب السبق على الأخريات في أحدات الثورة والتظاهرات التي أطاحت بالإسلاميين الذين أساءوا بل شوهو الصورة الحقيقة للدين .. ثلاثون سنة من الفساد والتخريب بإسم الدين ولا زالوا يتربصون لا ندري لماذا بعد هذا الفشل الذريع؟ .. ثلاثون سنة بثلاثة إنقلابات من رأس دولة الفساد الرئيس البشير  الأول في 89 عندما قلبوا الطاولة على الديمقراطية  والثاني مع مذكرة العشرة التي نزعت سلطات العراب الترابي الأمين العام للجبهة الإسلامية ومنحتها للبشير الرئيس، تخلصوا من عرابهم الترابي في صراع الإسلاميين فيما بينهم ليصبح البشير إمبراطوراً ودكتاتوراً مسلطاً حتى على الإسلاميين أنفسهم ..الإنقلاب الإخير عندما أعلن حالة الطوارئ  تخلى فية عن جلد الحزب والتنظيم  ليتخلص من أقرب معاونية وأمين سرة بكري حسن صالح كما تخلص من قبل من علي عثمان ونافع على نافع  ومن قبلهم الترابي. 
لقد أصبحت الخيارات أكثر تعقيداً من إي وقت مضى والمستقبل أصبح قاتما لظهور نفس الوجوه الهرمة الكالحة والفاشلة  في الساحة السياسية السودانية وثوراتها ضد الظلم فما هو الحل والمخرج من مأزق الإنتهازية الطائفية واليسارية التي تمرست لخطف الأضواء من الثوار الحقيقيين ..السودان أصبح الآن في مفترق الطرق ويحتاج لقيادة جديدة بوجوه جديده وصادقة لإنتشاله من الإنهيار والوقوع في فخ دواعش الإسلام في السودان وكتائبها التي تتربص .. الحركات المسلحة أيضاً تراقب وتتربص رغم إستسلام بعضها لإنخراطها في تحالفات مع قوى سياسية بخلفيات عروبية إسلامية  بالية لا يرجى منها  والبعض الآخر بقيت تتفرج على ما يحدث من إنقسامات وتحالفات.. لقد تم تسييس كل المؤسسات النظامية الجيش ، الشرطة والأجهزة الأمنية ، هذه المؤسسات لا يعتمد عليها في التغيير  الا إذا  حصلت صراعات فيما بينها حال تضارب المصالح او حدوث معجزة وتحولات خطيرة لتنحاز بعضها إلى جانب الشعب الثائر .... ولكن الثورات السلمية لابد من إستمرارها حتى تنهار مؤسسات الفساد التي بناها البشير وعصابته وعلى الحركات المسلحة مراجعة حساباتها لترتيب أوضاعها الداخلية وتنظيم قواعدها للدخول في تحالفات استراتيجية لحسم معركة الديمقراطية القادمة لان ما يجري الآن في جوبا حتما سيقود إلي السلام المنشود ... . خاصة اذا اتفق ممثلي الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية شمال بقيادة الحلو حول مسألة علمانية نظام الحكم في السودان  بفصل الدين عن السياسة والدولة ولا نعتقد بأن ذلك صعبا لان العلمانية كما أوضحنا ليست ضد الدين .. وقيادات الإسلام السياسي هي التي شوهت ذلك و فرضت آراءها لتحقيق ذاتهم السياسي على حساب القيم والمبادئ التي تحفظ تماسك وسلامة مجتمعاتنا وبذلك حددوا من يحكم السودان كبلد عربي إسلامي حسب ايديولوجياتهم ومشروعهم الحضاري الذي ادخل السودان في حوريات التحرير طيلة الخمسين سنة الماضية والرؤية أصبحت واضحة الآن الرضوخ للواقع الذي لا مفر منه أو الاستمرار في الفوضى والعبث الذي سينهي وجود السودان كدولة للمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية التي نادى بها الثوار في هتافاتهم  حرية .. سلام ... عدالة  والثورة خيار الشعب.

إلى الأمام والكفاح الثوري مستمر والنصر أكيد بإذن الله
Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق