في ظل ارتفاع درجات الحرارة في العالم،
يتزايد احتياج البشر لوسائل بسيطة وأقل تكلفة لتبريد الهواء المحيط بهم، وفي
الغالب تعتمد المباني الحديثة على وحدات التكييف التي تدفع الحرارة من داخل المبنى
إلى الخارج، غير أن كلفة تشغيلها أكبر العقبات أمام السكان في عدة دول.
وفضلا عن استهلاك أجهزة تبريد الهواء
لطاقة كهربائية كبيرة، فإنها تسبب تسخين الهواء خارج المباني، ونتيجة لذلك، تصبح
شوارع المدينة أكثر سخونة مقارنة بالأماكن المفتوحة الأخرى، ويساهم ذلك في تحويل
المدن إلى "جزر حرارية" ويزيد من تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
ومن أجل المساهمة في حل مثل هذه
المشكلات، اقترح العلماء طريقة اقتصادية لحل مسألة تبريد المباني بالبلدان الحارة،
وتتلخص أحدث طريقة في استخدام طلاء ناصع البياض لتبريد المباني يمكن أن يصبح بديلا
لمكيفات الهواء، ويظل أبرد من الهواء المحيط به حتى تحت تأثير أشعة الشمس المباشرة.
نُشرت دراسة لخصائص هذا الطلاء بدورية
"سيل ريبورتس فيزيكال ساينس" (Cell Reports Physical Science) العلمية،
ويقول الباحثون إن هذا الطلاء "أفضل أداء تبريد إشعاعي تم التوصل إليه حتى
الآن".
طلاء أبيض فائق
ويأتي هذا الطلاء ليكون الأعلى مقارنة
بغيره من "الدهانات المقاومة للحرارة" الأخرى الموجودة لدينا حاليا،
والتي يمكنها أن تعكس 80 إلى 90% فقط من ضوء الشمس.
في حين أن المواد شديدة السواد يمكنها
اليوم امتصاص أكثر من 99.96% من ضوء الشمس، فإن هذا اللون الجديد شديد البياض يمكن
أن يعكس 95.5% من جميع الفوتونات التي تصطدم به.
ويعكس الطلاء الأبيض الفائق طاقة الشمس
إلى الفضاء بـ 3 طرق في وقت واحد، ويظل أبرد من الهواء المحيط به حتى تحت تأثير
أشعة الشمس المباشرة.
1- يعكس
الطلاء 95.5% من ضوء الشمس الساقط عليه.
اعلان
2- يعكس
الجزء الأكبر من الأشعة فوق البنفسجية من خلال عكس أشعة الشمس المباشرة، دون أن
يسخن بتأثيرها.
3- تنبعث
منه موجات الأشعة تحت الحمراء في النطاق الضيق، وهكذا فإن السطح المطلي "يطلق
إلى الفضاء" الحرارة التي يحصل عليها من ملامسة الهواء المحيط.
وصُنع الطلاء الجديد من الأكريليك
باستخدام حشوات كربونات الكالسيوم التي تشكل أساس هذا الطلاء (60%) بدلا من جزيئات
ثاني أوكسيد التيتانيوم القياسية المستخدمة حاليا، والباقي طلاء أكريليك تقليدي.
وبدلا من
الاحترار تحت الضوء المباشر، يمكن للأجسام المطلية بمادة الأكريليك الجديدة أن تظل
أكثر برودة من درجة الحرارة المحيطة بها حتى تحت أشعة الشمس المباشرة، مما قد يسمح
بطريقة جديدة موفرة للطاقة للتحكم في درجة الحرارة داخل المباني.
التبريد الإشعاعي
يعتمد الطلاء الجديد على تقنية التبريد
الإشعاعي، التي تعكس بطريقة سلبية الحرارة من المبنى إلى الفضاء، وقد حاول الباحثون
استخدام أساليب مختلفة لتحقيق هذا الأمر، إلا أن نماذجهم لم تنجح على المستوي
التطبيقي، وقد يكون طلاء المباني باللون الأبيض الفائق نهجا أكثر جدوى في نجاح هذه
التقنية وقابليتها للتطبيق.
لإثبات مدى نجاح هذه التعديلات في
تعزيز قدرات التبريد الإشعاعي للطلاء، أجرى الباحثون اختبارات التبريد الميدانية
على مدار يومين في مواقع مختلفة وتحت ظروف جوية متنوعة.
واختبر الباحثون قدرات التبريد
الإشعاعي للطلاء، ووجدوا أنه يمكن أن ينثر 95.5% من ضوء الشمس، ويبقى 10 درجات
مئوية تحت درجة الحرارة المحيطة ليلا، و1.7 درجة مئوية على الأقل تحت درجات
الحرارة المحيطة في الظهيرة عندما تكون الشمس في أوجها.
وأجرى الفريق اختبارا ثانيا لمقارنة
الطلاء الجديد بالأسطح المطلية بنفس سماكة الطلاء الأبيض التجاري، ووجدوا أن
الأجسام المغطاة بطلاء الأكريليك الجديد كانت قادرة على الحفاظ على درجة حرارة
منخفضة بشكل كبير تحت أشعة الشمس المباشرة، مقارنة بنظيره التجاري، في لقطات
كاميرات الأشعة تحت الحمراء.
فوز كبير
قد تفيد هذه التكنولوجيا مجموعة واسعة
من الصناعات، بما في ذلك المباني السكنية والتجارية، ومراكز البيانات والمستودعات،
وتخزين المواد الغذائية، والسيارات والمعدات الكهربائية، في الهواء الطلق، والبنية
التحتية العسكرية.
ويمكن تطبيق الطلاء مباشرة على المباني
لتقليل تكاليف التبريد، ونظرا لأن الطلاء يفتقر إلى المكونات المعدنية، فقد
تستخدمه شركات الاتصالات، وغيرها من الشركات، لمنع ارتفاع درجة حرارة المعدات
الخارجية.
ويخطط الباحثون لإجراء دراسات طويلة
الأجل لاختبار مقاومة الطلاء للتعرض للأشعة فوق البنفسجية والغبار والالتصاق
السطحي والماء والمنظفات، وذلك من أجل ضمان وظيفتها كمنتج تجاري.
وقد يؤدي الاستخدام التجاري لهذه
التقنية، في التطبيق الواسع للتبريد الإشعاعي بالمستقبل القريب، للتخفيف من تأثير
الاحتباس الحراري، حيث يمكن إنتاج طلاء أحادي الطبقة عكس الحرارة مباشرة إلى
الفضاء دون الحاجة إلى مدخلات طاقة، وهذا بمثابة فوز كبير لأزمة المناخ.
0 comments:
إرسال تعليق